أخبار تقنية

هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟

هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟

هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟

في ظل التحول الرقمي الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية، أصبح نظام الفوترة الإلكترونية أحد أهم المشاريع التي أطلقتها هيئة الزكاة والضريبة والجمارك ضمن خطة التطوير الشاملة للأنظمة المالية والإدارية في القطاعين العام والخاص. ومع تطبيق النظام بشكل تدريجي على مختلف القطاعات، برز تساؤل متكرر من العاملين في المجال الصحي، وخاصة الأطباء والمستشفيات: هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية عليهم؟ وما هي ضوابط تطبيقها في هذا القطاع الحساس؟

هذا المقال يسلط الضوء على هذا الموضوع بالتفصيل، موضحًا من يشملهم الإلزام، وما الفوائد التي يحققها النظام للقطاع الطبي، وكيف يمكن للأطباء والمستشفيات تطبيق الفوترة الإلكترونية بالشكل الصحيح وفق متطلبات هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.

هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟
هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟

أولاً: مفهوم الفاتورة الإلكترونية

الفاتورة الإلكترونية هي فاتورة تصدر بصيغة رقمية عبر نظام إلكتروني معتمد، تحتوي على جميع عناصر الفاتورة التقليدية مثل بيانات المورد والمشتري، والمبالغ قبل وبعد الضريبة، والرقم الضريبي، لكنها تتميز بأنها تصدر وتُرسل وتُحفظ بشكل إلكتروني بالكامل.

وتختلف الفاتورة الإلكترونية عن الفاتورة الورقية في كونها لا تحتاج للطباعة أو التوقيع اليدوي، بل يتم إصدارها عبر نظام تقني متكامل يربط بين المنشأة وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك. كما تتضمن الفواتير الإلكترونية رمز استجابة سريع (QR Code) يتيح للهيئة والمستهلك التحقق من صحة الفاتورة فورًا.

ثانياً: الهدف من تطبيق الفاتورة الإلكترونية

التحول إلى الفاتورة الإلكترونية يأتي ضمن جهود المملكة لتحقيق التحول الرقمي الكامل في المعاملات الحكومية والتجارية. ومن أبرز الأهداف التي تسعى الهيئة إلى تحقيقها من خلال النظام ما يلي:

الحد من التستر التجاري عبر تتبع المعاملات المالية بين الموردين والعملاء بشكل دقيق.

زيادة الشفافية والمصداقية بين المنشآت والعملاء والجهات الحكومية.

تبسيط عمليات المحاسبة والضرائب عبر أتمتة إصدار الفواتير وتوثيقها إلكترونيًا.

تحسين بيئة الأعمال ورفع كفاءة السوق المحلي من خلال توحيد المعايير المالية.

مكافحة التلاعب الضريبي والفواتير الوهمية عبر ربط النظام مباشرة مع هيئة الزكاة.

ثالثاً: مراحل تطبيق الفاتورة الإلكترونية

تطبيق نظام الفوترة الإلكترونية تم على مرحلتين رئيسيتين:

المرحلة الأولى (مرحلة الإصدار)
بدأت في الرابع من ديسمبر 2021، وشملت إلزام جميع المكلفين المسجلين في ضريبة القيمة المضافة بإصدار وحفظ الفواتير إلكترونيًا.

المرحلة الثانية (مرحلة الربط والتكامل)
بدأت تدريجيًا في يناير 2023، وتشمل ربط أنظمة الفوترة لدى المكلفين مع النظام المركزي للهيئة، بحيث يتم إرسال الفواتير مباشرة للتحقق منها إلكترونيًا قبل تسليمها للمستهلك.

هذه المرحلة تطبق على دفعات وفق حجم الإيرادات والنشاط الاقتصادي، وتشمل حاليًا عددًا كبيرًا من المنشآت في قطاعات متنوعة، من ضمنها القطاع الصحي.

رابعاً: هل الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات؟

الإجابة هي نعم، الفاتورة الإلكترونية إلزامية على الأطباء والمستشفيات والعيادات الخاصة إذا كانت منشآتهم مسجلة في ضريبة القيمة المضافة، أو كانت تقدم خدمات خاضعة لتلك الضريبة.

بمعنى آخر، أي منشأة صحية تحقق إيرادات سنوية تتجاوز 375,000 ريال سعودي (وهو الحد الأدنى للتسجيل الإلزامي في ضريبة القيمة المضافة) يجب عليها:

التسجيل في ضريبة القيمة المضافة.

إصدار فواتير إلكترونية وفق نظام الهيئة.

الالتزام بالربط الإلكتروني في المرحلة الثانية.

أما الأطباء أو العيادات التي لا تتجاوز إيراداتهم هذا الحد، أو يقدمون خدمات معفاة من الضريبة (مثل العلاج الطبي المباشر)، فهم غير ملزمين حاليًا بإصدار الفواتير الإلكترونية، إلا أنه يُستحسن اعتماد النظام لسهولة التنظيم المالي وتوثيق الإيرادات.

خامساً: الخدمات الطبية الخاضعة والمعفاة من ضريبة القيمة المضافة

من المهم التمييز بين نوعي الخدمات الطبية لتحديد الإلزامية:

الخدمات الطبية المعفاة من الضريبة:

خدمات التشخيص والعلاج والرعاية الطبية التي يقدمها الأطباء والمستشفيات مباشرة للمريض.

الخدمات التي تهدف لعلاج المرض أو الوقاية منه.

الخدمات الطبية الخاضعة للضريبة:

الإجراءات التجميلية التي لا تهدف لعلاج أو وقاية صحية.

بيع الأدوية والمستحضرات غير المدرجة ضمن الأدوية الطبية المعتمدة.

الخدمات الإدارية أو الاستشارية غير العلاجية المقدمة للمؤسسات.

وعليه، فإن العيادات التجميلية أو مراكز العلاج الطبيعي غير الخاضعة للإشراف الطبي المباشر عادةً تكون مطالبة بإصدار فواتير إلكترونية خاضعة لضريبة القيمة المضافة.

سادساً: كيفية تطبيق الفاتورة الإلكترونية في القطاع الطبي

تطبيق النظام في العيادات والمستشفيات يتم عبر مجموعة من الخطوات الفنية والتنظيمية، وتشمل:

اختيار نظام فوترة إلكتروني معتمد من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، ويكون قادرًا على إصدار الفواتير بصيغ XML أو PDF/A-3، مع تضمين رمز QR.

إدخال بيانات المنشأة الطبية بدقة، بما في ذلك الرقم الضريبي والعنوان والسجل التجاري.

إصدار الفواتير الإلكترونية عند تقديم الخدمة، سواء كانت خاضعة أو معفاة من الضريبة.

إرسال الفواتير إلكترونيًا للهيئة في مرحلة الربط، للتحقق منها قبل تسليمها للمريض.

الاحتفاظ بنسخ إلكترونية للفواتير لمدة لا تقل عن خمس سنوات لضمان سهولة المراجعة أو التدقيق عند الحاجة.

سابعاً: مزايا الفاتورة الإلكترونية للأطباء والمستشفيات

رغم أن البعض ينظر إليها كمطلب تنظيمي إلزامي، إلا أن الفاتورة الإلكترونية تقدم فوائد متعددة للقطاع الطبي، من أبرزها:

تعزيز الثقة بين العيادة والمريض بفضل وجود سجل إلكتروني موثق لكل معاملة مالية.

تسهيل عمليات المحاسبة الداخلية وإدارة الإيرادات والمصروفات بدقة عالية.

الحد من الأخطاء البشرية الناتجة عن الفواتير اليدوية أو الورقية.

توفير الوقت والجهد في عمليات التسجيل، الإصدار، والحفظ.

دعم اتخاذ القرار من خلال التقارير المالية الفورية التي يقدمها النظام الإلكتروني.

الامتثال التام للوائح الهيئة وتجنب أي مخالفات أو غرامات محتملة.

الربط السلس مع الأنظمة الطبية الأخرى، مثل أنظمة إدارة المرضى والمواعيد والمخزون الدوائي.

ثامناً: العقوبات المترتبة على عدم الالتزام بالفاتورة الإلكترونية

هيئة الزكاة والضريبة والجمارك وضعت ضوابط صارمة لضمان الالتزام، ومن بين العقوبات المقررة:

غرامة مالية لا تقل عن 5,000 ريال في حال عدم إصدار الفاتورة الإلكترونية.

غرامة إضافية إذا تم إصدار فواتير دون العناصر الإلزامية مثل رقم التسجيل الضريبي أو رمز الاستجابة السريعة.

التحذير أو الإيقاف المؤقت للخدمات في حال تكرار المخالفة أو تجاهل التنبيهات.

وبالتالي، فإن الالتزام بالنظام ليس مجرد خيار إداري، بل هو واجب قانوني يجنّب الأطباء والمنشآت الصحية العقوبات المحتملة.

تاسعاً: التحديات التي تواجه تطبيق الفاتورة الإلكترونية في القطاع الصحي

رغم المزايا الكبيرة، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه الأطباء والمنشآت عند تطبيق النظام، منها:

قلة الوعي الفني لدى بعض العاملين في العيادات الصغيرة.

ارتفاع تكلفة شراء أو تحديث أنظمة محاسبية معتمدة في البداية.

صعوبة الدمج بين النظام الطبي ونظام الفوترة الإلكتروني في بعض المنشآت القديمة.

الحاجة لتدريب الطاقم الإداري والمحاسبي على النظام الجديد.

لكن هذه التحديات يمكن تجاوزها بسهولة مع مرور الوقت، خصوصًا مع دعم الهيئة الفني والتقني المستمر للمنشآت.

عاشراً: كيف يمكن للأطباء الاستعداد للالتزام بالفاتورة الإلكترونية؟

لضمان الامتثال الكامل، يُنصح الأطباء والمنشآت الصحية باتباع الخطوات التالية:

التأكد من التسجيل في ضريبة القيمة المضافة لدى الهيئة.

اختيار نظام إلكتروني متوافق مع متطلبات الهيئة ويحتوي على وظائف الفوترة، التقارير، والربط التقني.

تحديث البيانات الضريبية للمنشأة بشكل منتظم.

تدريب الموظفين على استخدام النظام لضمان تطبيق الإجراءات بدقة.

إجراء فحص دوري للنظام للتأكد من سلامة الربط مع الهيئة ومن دقة إصدار الفواتير.

تجهيز البنية التحتية التقنية (أجهزة، اتصال إنترنت، سيرفرات تخزين).

الحادي عشر: أهمية الفاتورة الإلكترونية في تطوير القطاع الصحي

تطبيق الفوترة الإلكترونية لا يمثل مجرد متطلب نظامي، بل هو أداة لتطوير القطاع الصحي في المملكة، لما يحققه من فوائد متعددة على مستوى الإدارة والتخطيط، مثل:

تسهيل إدارة الإيرادات الطبية بدقة.

تمكين وزارة الصحة من مراقبة أداء القطاع الخاص بشكل منظم.

الحد من التلاعب في الأسعار والفواتير.

تعزيز ثقة المستثمرين في القطاع الصحي الخاص.

كما أن الفواتير الإلكترونية تساعد في بناء قاعدة بيانات دقيقة يمكن الاستفادة منها في الدراسات الاقتصادية والطبية لتطوير السياسات المستقبلية.

الثاني عشر: العلاقة بين الفاتورة الإلكترونية والتستر التجاري

من أبرز أهداف الفاتورة الإلكترونية محاربة التستر التجاري في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع الصحي.
فالنظام الجديد يجعل كل عملية مالية موثقة ومربوطة برقابة إلكترونية من الهيئة، مما يمنع إخفاء الإيرادات أو التلاعب بالحسابات.
وبالتالي، يُسهم في حماية الطبيب السعودي والمنشآت النظامية من المنافسة غير العادلة من قبل الممارسات غير النظامية.

الثالث عشر: تجارب واقعية لتطبيق النظام في العيادات والمستشفيات

كثير من المستشفيات الكبرى والعيادات المتخصصة في السعودية بدأت بتطبيق الفاتورة الإلكترونية بنجاح.
فمثلاً، قامت بعض المستشفيات بتوحيد نظام الفوترة مع أنظمة إدارة المرضى، بحيث تصدر الفاتورة تلقائيًا بعد تقديم الخدمة وتُرسل فورًا إلى هيئة الزكاة للتحقق منها، ما وفر الوقت ودقة المحاسبة.
أما العيادات الصغيرة فقد استفادت من البرامج السحابية منخفضة التكلفة التي تقدم حلولاً متكاملة لإصدار الفواتير وحفظها دون الحاجة إلى أجهزة معقدة.

الرابع عشر: نظرة مستقبلية على الفاتورة الإلكترونية في المجال الطبي

في المستقبل القريب، من المتوقع أن يتوسع تطبيق الفاتورة الإلكترونية ليشمل حتى العيادات الصغيرة والمراكز الطبية غير المسجلة حاليًا، ضمن استراتيجية التحول الشامل.
كما ستشهد الأنظمة تطورًا أكبر من خلال دمج الذكاء الاصطناعي والتحليل الآلي للبيانات الطبية والمالية لتسهيل الإدارة والتخطيط المالي في المؤسسات الصحية.

 

إن الفاتورة الإلكترونية أصبحت اليوم جزءًا أساسيًا من منظومة التحول الرقمي في المملكة، ووجودها في القطاع الصحي ليس فقط إلزامًا قانونيًا بل هو ضرورة تنظيمية ومالية تضمن الشفافية، وتحمي حقوق المرضى، وتدعم الأطباء في إدارة أعمالهم بكفاءة عالية.

وبالتالي، فإن كل طبيب أو منشأة صحية تقدم خدمات خاضعة لضريبة القيمة المضافة مطالبة بالالتزام الكامل بتطبيق الفوترة الإلكترونية، لما لذلك من أثر إيجابي في مكافحة التستر التجاري، وتنظيم القطاع، وتحقيق الامتثال الضريبي الكامل بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030.

في النهاية، يمكن القول إن الفاتورة الإلكترونية ليست عبئًا إضافيًا على الأطباء والمستشفيات، بل هي خطوة نحو نظام صحي أكثر احترافية وشفافية وكفاءة، يعزز ثقة المجتمع في الخدمات الطبية ويضع المملكة في مصاف الدول الرائدة في التحول الرقمي والإدارة الحديثة للقطاعات الحيوية.

السابق
كيف تساعد الفاتورة الإلكترونية في محاربة التستر التجاري؟
التالي
كيف يتم إصدار إشعار دائن أو مدين إلكترونيًا؟