| قبس بدا من جانب الصحراء | هل عاد عهد الوحي في سيناء |
| أرنو إلى الطور الأشم فأجتلي | إيماض برق واضح الإيماء |
| حيث الغمامة والكليم مروع | أرست وقوراً أيما إرساء |
| دكناء مثقلة الجوانب رهبة | مكظومة النيران في الأحشاء |
| حتى تكلم ربها فتمزقت | بين الصواعب في سنى وسناء |
| وتنزلت أحكامه في لوحها | مكتوبة آياتها بضياء |
| أترى العناية بعد لأي هيأت | للشرق منجاة من الغماء |
| فأتيح في لوح الوصايا جانب | خال لمؤتنف من الإيصاء |
| وتخلفت بين الرمال مظنة | لتفجر في الصخرة الصماء |
| قد آن للعاشين في ظلمائهم | حقبا خروجهم من الظلماء |
| إني لميمون النقيبة ملهم | إبراء زمناهم وري ظماء |
| إن لم يقدهم قائد ذو مرة | متبين منهم مكان الداء |
| يهديهم سبل الرقي ملائما | لزمانهم وطرائق العلياء |
| ألشاعرية لا تزال كعهدها | بعد النبوة مهبط الإيحاء |
| والصوت إن تدع الحقيقة صوتها | والنور نور خيالها الوضاء |
| يا شيخ سيناء التي بعث الهدى | من تيهها في آية غراء |
| سنرى وأنت معرب عن حقها | كيف الموات يفوز بالأحياء |
|
ه ل |
|
| وتنزل الأقوام عن أخطارها | وتعسف الحكم والكبراء |
| أبناء يعرب في أسى من حقبة | شقيت بها الآداب جد شقاء |
| جنف البغاة بها على أهل النهى | واستعبد العلماء للجهلاء |
| وتخيل السادات في أقوامهم | شعراءها ضربا من الأجراء |
| وهم الذين تناشدوا أقوالهم | للفخر آونة وللتأساء |
| وبفضلهم غذيت غراث عقولهم | من كل فاكهة ألذ غذاء |
| وبنفحة منهم غدت أسماؤهم | من خالدات الذكر في الأسماء |
| أصلح بهم رأي الأولى خالوهم | آلات تهنئة لهم وعزاء |
| ولتشهد الأوطان ما حسناتهم | في المنصب العالي وفي الإثراء |
| ولتعلم الأيام ما هو شأنهم | في كل موقف عزة وإباء |
| يا باعث المجد القديم بشعره | ومجدد العربية العرباء |
| أنت الأمير ومن يكنه بالحجى | فله به تيه على الأمراء |
| أليوم عيدك وهو عيد شامل | للضاد في متباين الأرجاء |
| في مصر ينشد من بنيها منشد | وصداه في البحرين والزوراء |
| عيد به اتحدت قلوب شعوبها | ولقد تكون كثيرة الأهواء |
| كم ريم تجديد لغابر مجدها | فجنى عليه تشعب الآراء |
| ما أبهج الشمس التي لاحت لها | بعد القنوط وطالعت برجاء |
| ألشعر أدنى غاية لم يستطع | إدناءها عزم وحسن بلاء |
| ما السحر إلا شعر أحمد مالكا | منها القياد بلطف الاستهواء |
| قد هيأت آياته لوفودها | في مصر عن أمم أحب لقاء |
| لا يوقظ الأقوام إلا منشد | غرد ينبه نائم الأصداء |
| كلا وليس لها فخار خالص | كفخارها بنوابغ الشعراء |
| يا مصر باهي كل مصر بالأولى | أنجبت من أبنائك العظماء |
| حفلوا لأحمد حفلة ميمونة | لم تأت في نبإ من الأنباء |
| ما أحمد إلا لواء بلاده | في الشرق يخفق فوق كل لواء |
| علم به الوادي أناف على ذرى | شم الجبال بذروة شماء |
| بسمت ذؤابته وما زان الربى | في هامها كالحلية البيضاء |
| هل في لدات أبي علي نده | إن يصدرا عن همة ومضاء |
| أو شاعر كأبي حسين آخذ | من كل حال مأخذ الحكماء |
| فهم الحياة على حقيقة أمرها | فأحبها موفورة النعماء |
| يجني دوانيها ولا يثنيه ما | دون القواصي من شديد عناء |
| يقضي مناه أناقة في عيشه | ويفي بحق المجد أي وفاء |
| عظمت مواهبه وأحرز ما اشتهى | من فطنة خلابة وذكاء |
| إن تلقه النبوغ ممثلا | في صورة لماحة اللألاء |
| طبعت من الحسن العتيق بطابع | وضاح آيات بديع رواء |
| زان الخيال جمالها بسماته | وأعارها قسماته لبقاء |
| واليوم إذ ولى الصبا لم يبق من | أثر عليها عالق بفناء |
| لا شيء أروع إذ تكون جليسة | من ذلك الرجل القريب النائي |
| أبدا يقلب ناظريه وفيهما | تقليب أمواج من الأضواء |
| يرنو إلى العليا بسامي طرفه | ويلاحظ الدنيا بلا إزراء |
| يغضي سماحا عن كثير جفنه | وضميره أدنى إلى الإغضاء |
| فإذا تحدثه فإن لصوته | لحنا رخيم الوقع في الحوباء |
| في نطقه الدر النفيس وإنما | تصطاده الأسماع بالإصغاء |
| لكن ذاك الصوت من خفض به | يسمو الحفاظ به إلى الجوزاء |
| أعظم بشوقي ذائدا عن قومه | وبلاده في الأزمة النكراء |
| لتكاد تسمع من صرير يراعه | زأرا كزأر الأسد في الهيجاء |
| وترى كأزندة يطير شرارها | متداركا في الأحرف السوداء |
| وتحس نزف حشاشة مكلومة | بمقاطر الياقوتة الحمراء |
| في كل فن من فنون قريضه | ما زال فوق مطامع النظراء |
| أما جزالته فغاية ما انتهت | شرفا إليه جزالة الفصحاء |
| وتكاد رقته تسيل بلفظه | في المهجة الظمأى مسيل الماء |
| لولا الجديد من الحلى في نظمه | لم تعزه إلا إلى القدماء |
| ناهيك بالوشي الأنيق وقد زها | ما شاء في الديباجة الحسناء |
| يسري نسيم اللطف في زيناتها | مسرى الصبا في الروضة الغناء |
| هتكت قريحته السجوف وأقبلت | تسبي خبايا النفس كل سباء |
| فإذا النواظر بين مبتكراته | تغزى بكل حيية عذراء |
| في شدوه ونواحه رجع لما | طويت عليه سرائر الأحياء |
| هل في السماع آلام الجوى | كنواحه وكشدوه بغناء |
| يشجي قديم كلامه كجديده | وأرى القديم يزيد في الإشجاء |
| فمن الكلام معتق إن ذقته | ألفيته كمعتق الصعباء |
| ملأت شوارده الحواضر حكمة | وغزت نجوع الجهل في البيداء |
| وترى الدرارى في بحور عروضه | وكأنهن دنت بهن مرائي |
| كم في مواقفه وفي نزعاته | من مرقصات الفن والإنشاء |
| كم في سوانحه وفي خطراته | من معجزات الخلق والإبداء |
| رسم النبوغ له بمختلفاتها | صورا جلائل في عيون الرائي |
| ألممت من شوقي بنحو واحد | وجلاله متعدد الأنحاء |
| ملأت محاسنها قلوب ولاته | وتثبتت في أنفس الأعداء |
| لله شوقي ساجيا أو ثائرا | كالليث والبركان والدأماء |
| لله شوقي في طرائق أخذه | بطرائف الأحوال والأشياء |
| في لهوه وسروره في زهوه | وغروره في البث والإشكاء |
| في حبه للنيل وهو عبادة | للرازق العواد بالآلآء |
| في بره ببلاده وهيامه | بجمال تلك الجنة الفيحاء |
| في وصفه النعم التي خصت بها | من حسن مرتبع وطيب هواء |
| في ذكره متباهيا آثارها | ومآثر الأجداد والآباء |
| في فخره بنهوضها حيث الردى | يهوي بهام شبابها النبهاء |
| في شكره للمانعين حياضها | وحماة بيضتها من الشهداء |
| في حثه أعوان وحدتها على | ود يؤلف شملهم وإخاء |
| متثبتين من البناء بركنه | لتماسك الأعضاد والأجزاء |
| في نصحه بالعلم وهو لأهله | حرز من الإيهان والإيهاء |
| في وصفه الآيات مما أبدعت | أمم يقظن ونحن في إغفاء |
| لم يبق من عجب عجاب خافيا | في بطن أرض أو بظهر سماء |
| هذا إلى ما لا يحيط بوصفه | فكري ودون أقله إطرائي |
| بلغت خلال العبقرية تمها | فيه وجازت شأو كل ثناء |
| فإذا عييت ولم أقم بحقوقها | فلقد يقوم العذر بالإبلاء |
| ماذا على متنكب عن غاية | والشوط للأنداد والأكفاء |
| أعلمت ما مني هواه وإنه | لنسيج عمر صداقة وفداء |
| أي حافظ العهد الذي أدعو وما | أخشى لديه أن يخيب دعائي |
| أدرك أخاك وأوله نصرا بما | ينبو به إلاك في البلغاء |
| جل المقام وقد كبت بي همتي | فأقل جزاك الله خير جزاء |
| يأبى عليك النبل إلا أن ترى | في أول الوافين للزملاء |
| والشرق عالي الرأس موفور الرضى | برعاية النبغاء للنبغاء |
| يا من صفا لي وده وصفا له | ودي على السراء والضراء |
| فأعزني يوم الحفاظ ولاؤه | وأعزه يوم الحفاظ ولائي |
| وعرفت في نادي البيان مكانه | ومكانه الأسنى بغير مراء |
| يهنيك هذا العيد دم مستقبلا | أمثاله في صحة وصفاء |
الأدب العربي
قبس بدا من جانب الصحراء – جبران خليل جبران
